/ مع بعض / هكذا حدَّث (سلطان) نفسه وهو يجول ببصرهِ في نواحي إحدى الأحياء الراقية ذات العمارات الشاهقة وهو متجه إلى منزله المتواضع في أحد الأحياء الشعبية التي تعج بالفقراء ، قام بإيقاف أحد المركبات العامة بعد أن أسكت هواجسه مسَلِماً أمره لله . ولكن ما فتئت وأن عادت تلك الهواجس مرةً أخرىإليه بعد أن مدَّ بصره من خلف نافذة السيارة ليرى ذات المشاهد التي تعود أن يراها يومياً بعد عودته من المدرسةالتي يعمل بها كمعلم … نفس الأطفال البائسة التي تركض وراء المارة لتستجديهم لقمة عيش ، ونفس الباعة المتجولين الذين يفترشون أحلامهم على قارعة الطريق ، ذات المُشرَدين مبتوري الأطراف الذين يزحفون على الأرض كالحشرات . وعلى الجانب الآخر العربات الفارهة التي تسير مسرعة غير آبهة لهؤلاء المشردين الذين يفتقرون إلى أرخص أنواع الأحذية لكي يُجنبوا أرجلهم من لسعة الشمس الحارقة . عبثاً حاول (سلطان) أن يهرب من تلكالأشياء بتركيزه على صوت المذياع الذي ينشر أكاذيبه في آذان الرُكَّاب ولكن بدون جدوى . "لابد من حلٍ لهذه الأشياء" أعلنها (سلطان) بصوت عالي مُلفِت للنظر جعلجاره في المقعد ينتبه له ويحرك رأسه أسفاً على هذا الرجل ذو الأربعين عاماً الذي يجلس بجانبه . تجاوز (سلطان) هذه الأحاسيس ونزل من المركبة بعد أن وصل إلى حيث يريد . استقبلتهزوجته (أميره) بدفئها المعهود الذي لم يتناقص طوال سنوات زواجها من (سلطان) رغم أنها لم تُرزق منه بأطفال ، ولكن كان بالنسبة لها كل ماتملك في الحياة ، وهي كانت له كل ما أراد من هذا الكون ... سوياً وقفا سداً منيعاً في وجه كل المحن والمصاعب التي واجهتهما ، تحمَّلا بعضهما في أقسى لحظات العوَذ والفقر.. لم تملْ منه ولم يمل هو من مغازلتها وزرع الإبتسامة في وجهها حتى هذه اللحظة . "كيف كان يومك يا عزيزي " قالتها بكل حنان وهي تأخذ من يديه حقيبته التي شاطرتهانهزامه وخساراته ، هذه الحقيبة التي تعني له الكثير من الذكريات ... وحدها كانت تحفظ أسراره بعد (أميره) زوجته ووحدها شهدت معه أقسى لحظات الحياة . لطالمااهترئت بطول الزمن ولكنه كان مُصراً على حملها ويقول عنها دائماً بأنها ابنته الوحيدة . " كغيره من الأيام السابقة ، بؤسٌ وشقاء في كل مكان " أجاب بصوتٍ حزين ." الله كفيل بهم ... لا أظنه سيتركهم في هذه الحالة من البؤس .... خذ يا عزيزي " قالت وهي تمد له كوب الماء بعد أن جلست جواره على طرف السرير القديم . " شكراً " قال (سلطان) بعد أن وضع كوب الماء فارغاً على المنضدة ثم أردف باستطراد : - لقد قررت أن أواصل في ذات المشروع القديم الذي حدثتك عنه . - أيِّ مشروع تعني ؟ - مشروع رعاية المُشردين ، فلابد لهؤلاء الأطفال الذين يزحفون كالحيوانات في الشوارع والأسواق من شخصٍ يرعاهم. - ولكنك لم تنجح في المرةِ السابقة ... ولعلك تدري حجم المضايقات التي تعرضت لهامن جراء ذلك . - كان ذلك قبلعشر سنوات ، لابد أن الأمر قد تغير الآن . - وما عساك تفعل من أجلهم ؟ - أي شيء ...فهم في حوجةٍ ماسة لأبسطِ الأشياء ، لقد إقترب فصل الصيف ياعزيزتي ولابد لهم من أحذية تقيهم هجير الرمضاء . - فليساعدك الله وتأكد أنني رهن إشارتك . - أعلمأنكِ لن تدعيني وحدي .. ولكن أريد منك شيئاً واحداً . - ماهو ؟ - الدُكانة الصغيرة ردت بدهشة : - ما بها ؟ - إذا لم تمانعي ، أريد أن أبيع البضاعة التي بداخلها وأحولها إلى ورشة صغيرة لصنع كراسيمتحركة للمقعدين وكذلك لبناء (فصِل) صغير لتعليم المُشرَدين . هذا آخر شيء توقعته (أميره) من (سلطانها).. فهي تعلم أن هذه الدُكانة الصغيرة هي التي تساعدهم في مواجهة ظروف الحياة وشظف العيش القاسي ، فهي لم تكن مجرد دكانة فحسب بل أنها جزء من غرف المنزل الصغير التي لطالما تمنوها لطفلهم المقبل الذي لن يأتي قط .. كانت (أميره) تقول لزوجها بعد زواجهما بشهرٍ واحد – مشيرةً إلى الغرفةالتي صارت دكاناً الآن – (هذه الغرفة ستكون لإبننا القادم هو وإخوته) . ولكن مشيئة الله أرادت شيئاً آخر غير ما يُريدان ، فأميرة عقيمة ولا تستطيع الإنجاب رغم كل المجهودات التي بذلها سلطان في ذلك الوقت فهولم يدع طبيب في داخل البلد ولا خارجه ولم يذهب له ، ولكن كل النتائج كانت تؤكد إستحالة الإنجاب ، ومع أن (أميره) طلبت منه أن ينفصلا عن بعضهما حتي يأتي بمنتجلب له الذرية التي كان يحلم بها ، لكن (سلطان) كان أكثر حباً ووفاءً لها من أنيفكر في هذا الأمر . فهو لم يكن أنانياً قط لهذا رفض الأمر مطلقاً واكتفى بالعلاقة الطيبة التي تجمعهما سوياً فهي يتيمة الأب والأم توفى والدها وهي ما تزال في رحم أمها لتلحق به والدتها بعد خمسة عشر سنة وقالت لسلطان الذي خطبها منذ زمنمبكر: (أمَّنتك ليها يا سلطان) وعاشت (أميره) مع والدة (سلطان) خالتها التي توفت بعد زواج (سلطان) بأسبوعٍ واحد فقط .. ومن يومها صار (سلطان) على قدر هذا التكليف والأمانة فحملها في حباب عينيه وحملته على كفوف الراحة طوال هذه السنوات . لأكثر من عشر سنوات كانت هذه الغرفة مقفلة فهما لم ييأسامن رحمة الله ولكن لما طالت المدة إقترحت (أميره) على زوجها أن يحيل هذه الغرفة إلى دُكانة صغيرة لكي تتسلى بها في وقت فراغهافهي ليس لديها مايشغلها بعد أن يذهب هو للمدرسة ثم أنها يمكن أن تمثل مورد رزقٍ لهما من ناحيةٍ إقتصادية .كان هذا المقترح مصحوب بدموعٍ من الطرفين ، فهذا يعني إنهاء الوهم الذي كانا يعيشانِ عليه . ومع أن (سلطان) كان في غاية الفرح بهذا المقترح ، إلا أنه كان أكثر إدراراً للدمع يومها فهو أيضاً كان يعيش على هذا الوهم . وحقاً أتى بالبضاعة لها وصارت (دُكان أميره) المشهورة في الحي حيث تقضي فيها (أميره) كل ساعات النهار المملة بدون وجود (سلطان) وتقفل أبوابها حينما يرجع من المدرسة إلى بعد صلاة المغرب حيث يتولى هو أحياناً أمر الدُكانة بنفسه وإن كانت (أميره) تحرص على ألا تتركهفيها لأنه كان يعطي الأشياء أحياناً بلا مقابل لكل من يشتم فيهم رائحة الفقر والحاجة ويعطي دائماً حلوى مجانية لكل طفلٍ يقصد الدُكانة وهذا ليس لبخلٍ في نفسها ولكنه حرص على عدم إهدار ماله البسيط الذي بالكاديكفي لكليهما وخوفاً من أن يمدا يديهما إلى أحد حينما تسؤ الأمور . مرَّت كل هذه الأشياء على بالها ، لهذا استبعدت أن يفكر (سلطان) في ذلك . " أعلم انها عزيزة عليك يا حبيبتي ... ولكن فليكن هذا العمل ثوابٌ لي ولك" قال (سلطان) بعد أن طالت فترة صمتها وتولت دموعها الرد عليه فمسح دمعها بكل الحب وأردف مرةً أخرى: "كما وأنني سأقوم بتدريس بعض أطفال الشوارعفي هذه الدُكانة وسيكون لدينا أكثر من إبنٍ واحد لنرعاه في هذه الغرفة كما كنا نأمُل .. وستكونين أنتي معي إن لم تمانعي" إنفتحت أساريرها قليلاًوقالت في لطف: "الأن فقطأدركت لما حرمك الله من الأطفال ، فلابد أنه لايريدك أنتكونَ أباً لطفلاً واحد .. بل يُريدك أن تكونَ أباً لكل أطفال الدنيا" طبع قبلة صادقة على جبينها وقال لها: "أضيفي على ذلك أن الله يريدني أن أكونَ أباً وإبناً وأخاً وصديقاً وزوجاً لك ... وهذا يكفيني" ** * * تفاجأ السكان في صبيحة اليوم التالي حينما ذهبوا لشراء بعض الحاجيات من (دُكانة أميره) ووجدوا زوجها يقوم بنقل البضاعة كلها في إحدى العربات .. فكُثر التساؤل عن السبب وأخبرتهم (أميره) بما ينوي (سلطان) فعله ، فتذمر البعض واصمين زوجها بالجنون وأُعجِب قليل منهم بهذا الحديث . ولكن (سلطان) كان بعيد عن هذه الأشياء فاليوم هو أول أيام العطلة الصيفية ويريد أن يبدأ في مشروعه مباشرةً منذ هذه اللحظة فذهب ليبيع بضاعته ويشتري بعض المعينات التي يحتاجها للورشة من أدوات نجارة وغيرها . وبحلول الرابعة عصراً كانت الدُكانة الصغيرة قد تحولت كلياً إلى ورشة تعُج بالأخشاب وأدوات النجارة ، (سلطان) يُرتب الأشياء و(أميره) تساعده في صنع عريشة صغيرة من القش لتصبح حجرةً دراسية لتعليم المُشرَدين . ثلاثة أيام كاملة كانت كفيلة لصنع (فصل القَش) كما أسموهُ سكان الحي ، وكذلك (ورشة سلطان)الذي قام بكتابة لافتة صغيرة أمام الورشة مكتوبٌ عليها ((مع بعض)) . طوال فترة الظهيرة و (سلطان) يجوب الأسواق بحثاً عن المُشرَدين لكي يقنعهم بفكرته ولكنه لاحظ أنهم يركضون منه حين يبصرونه لهذا أخذ يبحث عن (منصور) أحد الأطفال المُشرَدين والذي تعرَّف عليه في حادث محاولة سرقة المدرسة التي يعمل بها . فـ(سلطان) يتذكر فيذلك اليوم أنه وجد خفير المدرسة ممسكاً بطفل لايتجاوز الثامنة ويضربه بطريقةٍ مبرحة ويتوعده بتسليمه للشرطة بعد أن يحضر مدير المدرسة . ولِحُسن حظ (منصور) أن (سلطان) كان أول المعلمين حضوراً للمدرسة كعادته دوماً . تسآءل (سلطان) عما يجري فأخبره الخفير بأنه وجد هذا الطفل يحاول كسر نافذة مخزن الكُتب وسرقة ما بداخلهفي وقتٍ مبكر من هذا الصباح فقال له (سلطان) : "دعه لي... وأعدك بأن يُعاقب على هذهالجريمة" ولكن الخفير كان مُصراً على تسليمه للشرطهبنفسه كي لا يُتهم بالقصورفي آداء عمله ولأنه أيضاً كان يعلم أن (سلطان) لم يحدث وأن عاقب أي تلميذ من تلاميذه الصغار طيلة فترة عمله بالمدرسة . وبعد عدد من المحاولات لإقناعه أبعد يديه القويتين من ملابس الطفل المتسخة فقام (سلطان) باقتياده إلى مكتبه وقال له : " لا تخف ... لن أؤذيك" وحقاً كان (سلطان) الحنون يعني مايقول حيث قام بإجلاسه على الكرسي وأحضر له كوب من الماء أمام دهشة (منصور) الذي توقع أن تُدقَّ عنقه في هذا اليوم "مالذي دفعك لهذا يا بُني ؟" سأله (سلطان) بكل الرأفة والشفقة ولكنه كان أكثرتألماً من ضربات الخفير من أنيرد على سؤاله فاكتفي بالصمت " إذاً أين تسكن؟" هنا انفجر باكياً فنهض (سلطان) من مكانه وربت على كتفه وعرف أنه من أولئك المُشردين الذين لا عنوان لهم سوى المجاري والأزقة المظلمة .. فقال له بذات الأبوة : - حسناً .. دعنا نذهب من هذا المكان قبل أن يحضر المدير. - لا تأخذني إلىالشرطة يا سيدي. - أُقسم بأنني لن أفعل .. ولكنني ساتظاهر بذلك للخفير حتى يتسنى لنا الخروج من هنا. وأقتاده وقتها (سلطان) من يديه وتظاهر بأنه غاضبٌ عليه من خلال العبارات التهديدية التي توعده بها فالتفت للخفير وقال له : "حينما يأتي المدير قل له أنني ذاهبٌ لرمي هذا الفتى في السجن" وزادت دهشة الخفير من خلال هذا المشهد الذي افتعله (سلطان) ... فالخفير يعلم أن(سلطان) أكثر رأفةً من أن يفعل هذا فقال له متشككاً : - هل تريدني أن أحضر معك ؟ - لا ... أنا سأتولى أمره لوحدي . وخرج (سلطان) برفقة (منصور) الذي كان في قمة إستغرابه فقال : - هل حقاًلن تأخذني إلى الشرطة ؟ - نعم ، لن أفعل ... ولكن بشرطأن تخبرني لماذا حاولت سرقة مخزن الكتب وأنت تعلم أنه للكتب فقط ولم تحاول أي مكتب أو مكان آخر ؟ - وهلستصدقني يا سيدي؟ - إذا تحدثت معي بصدق ، سأفعل ؟ جلس معه (سلطان) على الأرض تحت ظل إحدى الأشجار بعد أن ابتعدا كثيراً عنالمدرسة - لم تخبرني باسمك بعد - أنا (منصور) .. ولا أدري من أين جئت ولا أين أسكن ولا أعلم من هو أبي ولا أين أُسرتي. قال (منصور) هذا الكلام وهو مُطرق رأسه على الأرض بتحسر .. فقال (سلطان) معرفاً نفسه : - أنا سـ......... فقاطعه (منصور) قبل أن يكمل وقال له مكملاً: - أستاذ (سلطان) ... أعرف هذا . تفاجا (سلطان) وقال له مندهشاً: - كيف عرفت اسمي؟ - كنت أختبيء وراء نوافذ الحجرة الدراسية التي تطل على الشارع العام وأصطنتُ لك وأنت تُعلِّم (الشفَّع) . - ومنذ متى تفعل هذا ؟ - لأكثر من شهرين ونصف. - ولماذا ؟ - أريد أن أكون مثلهم. - تريد أن تتعلم ؟ - أجل ... وأريد أن يكونَ لي قلم ودفتر مثلهم. - وهل تستطيع الكتابة ؟ - أعرف فقطكيف أكتب اسمي . - ومن علمك هذا ؟ - أنت . - أنا ... كيفهذا وأنا لم أركَ سوى الآن ؟ - هل تصدقني إذا قلت لك أنني لا أحضر للمدرسة إلا في وقت حصتك أنت فقط وأكون سعيداً بسماع صوتكوأنت تُعلِّم (الشُفع) نطق الحروف ، وكنت أنطق معهم في سري تحت تلك الشجرة بجانب جدار المدرسة حتى لايراني أحد . بلغت الدهشة حداً بعيداً لدى (سلطان) من هذا الكلام الكبير جداً والمؤلم جداً من هذا الطفل الصغير المتسخ الملابس الحافي القدمين فقال (سلطان) : - إذاً أنت كنت تحاول سرقة الكتب ؟ - نعم .. ولا شيء غير الكتب .. فأنت قلت لتلاميذك في إحدى الحصص أن الإنسان لكي يتعلم يجب أن يكون كتابه برفقته دائماً وأنا لا أملك ثمناً لشراء كتاب لهذا أردت أخذ بعض الكتب لكي أتعلم منها . إنهمرت الدموع بغزارة من أعين (سلطان) وقتها وأطرق رأسهيبكي لفترةٍ طويلة أمام تحسُّرودموع (منصور) التي لم تجف طوال فترة هذا الحوار الذي تمَّ على مرأى منتسآؤلات المارة عن هذا المُتشرد الذي يجلس مع ذلك الرجل الأنيق على الأرض . يذكر (سلطان) أنه في هذا اليومقام باصطحاب (منصور) إلى بيته بعد أن إشترى له ملابس جديدة وحذاء وذهبا سوياً بصحبة عدد من الحكاياوالمغامرات التي قام (منصور) بقصها لـ(سلطان) . وحينما وصلا للمنزل قام (سلطان) بسرد كل الحكايا لزوجته التي إعتنت به كما لو كان إبنها .. واقتاده (سلطان) وقام بغسله جيداً بنفسه دونأن يتأفف من ذلك ، بل كان في غاية السعادة وهو يؤدي هذا الدور الأبوي الذيلطالما حلم به ... وكان (منصور) في غاية السعادة في ظل هذه الأسرة الحانية وأكثر ما كان يعجبه هذا الحذاء الجميل الذي يرتديه فقدمه الحافية لم تعتد أن يكونَ بينها وبين الأرض أي فاصل . في المساء قام (سلطان) بإحضار دفتر وقلم وقام بتعليمهوالإستذكار معه حتى وقت متأخر من الليل دون أن يمل (منصور) من أسلوبه الجميل في التدريس .. وحينما فرغا من الدرس ، أصرت (أميره) أنينام (منصور) في حجرها وقدفعل وهو في غاية السرور .. وفي الصباح قام (سلطان) بأخذه للمدرسة وأخبر المدير بكل ما جرى مع (منصور) وطالبه بأن يضمه لتلاميذ الفصل الأول على أن يتكفل بكل شيئ يكفل لـ(منصور) مواصلة تعليمه. ورفض المدير ذلك بحجة أنهم لا يضمنونَ سلوك ذلك (المُتَشَرِد) – حسب قوله – وأنهم يتخوفون من أن يؤثر في تصرفات الأطفال وقام (سلطان) بإدخال عدة جهات رسمية في هذا الموضوع إلى أن تمَّ قبول (منصور) بالمدرسة . لشهر كامل و(منصور سلطان) – كما أصبح يُنادى هناك – مواظب على الدراسةبشكلٍ جميل برفقة والده الجديد (سلطان) وقد أظهر نبوغاً أذهل الجميع بحصوله على علاماتٍ كبيرة في المدرسة رغم المضايقات الكثيرةوالتهكم والسخرية التي كان يواجهها في المدرسة وكذلك في الحي الذي يقيم فيه مع (سلطان) ، وكانتالأُسر تمنع أبنائها من اللعب معه لأنه موبؤ بالأمراض كما يقولون ويتوهمون . ويذكر (سلطان) أنه استيقظ ذات يوم ولم يجد (منصور) بقربه وبحث عنه في كل مكان ولم يجد له أثراً فقد ترك سلطان كلشيء ولم يحمل معه سوى دفتره الصغير .. ولم ييأس (سلطان) من البحث عنه في كلشوارع وأحياء العاصمة المكتظة بالسكان ولكن دون جدوى كأن الأرض إبتلعته حينها ، وكانت هذه هي أقسى لحظات واجهها (سلطان)و(أميره) حيث أنهما دخلا في عزلةٍ إجتماعية عن كل الناس وتغيب لأول مرة لأكثر من عشرين يوماً عن المدرسةقضاها كلها بحثاً عن (منصور) ولم يترك حتى أصدقاء (منصور) من المُشرَدين ولكنهم كانوا يقولون له : (منصور رَفَعْ) أي بمعني أنه ترك هذه المدينة تماماً وذهب إلى مكان آخر ... ويتذكر(سلطان)أنه بعد عام من إختفاء (منصور) ذكر له أحد المُشرَدين أنهم (كَحَلُوهو) في الأبيِّض ، أي أنهم شاهدوه في مدينة الأبيض وفي صباح اليوم التالي سافر (سلطان) إلى مدينة الأبيض بحثاً عنه ومكث هناك أسبوعاً كاملاً ولكنبلا فائدة فقد ذكر له أصدقاء (منصور) أنه قد رجع للخرطوم مرةً أخرى بعد أن أصبح(مُعلِم) أي أنه أصبح زعيماً على بعض الأطفال المُشردة هنا . وبعد أسبوعين من رجوع (سلطان) للخرطوم صادفه هناك ولكن لم يكنهو ذات الشخص الذي احتضنه من قبل ، فقد تغيَّر تماماً وإن كان (سلطان) مُصِرأن بذرة الخير مازالت موجودة فيه بالرغم من محاولات (منصور) لوأدها داخله . " نحن لم نخلق لنتعلم ، هذاهو الوضع الطبيعي لنا" قالها (منصور) بكل الأسف والتحسر "ولكنك كنت ستتعلم أكثر لو مكثت معي ...وكان يمكن أن ننتشلكمن هذه المجاري المتسخة" قال (سلطان) بصوتٍ ضعيف. - أنا أشكرك أنت وزوجتك على كل شيء .. ولكن هذاالمجاري المتسخة هي التيعلمتني أن القوي فقط هو الذي يستطيع أن يعيش ، وليس المتعلمين ... لهذا أتمنى أن تنسى أننا التقينا ذات يوم . - لقد ذهبت حتى مدينة الأبيض بحثاً عنك وقالو لي أنك أتيت إلى هنا . - أعرف هذا .. وتأكد أنني مازلت أكن لك كل التقدير والحب ، ولكن أتمنى أن تتركني وشأني - ألا ترغب في مواصلة الدراسة ؟ - دع الأغنياء يتعلمون ... أما نحن فقد خُلقنا للشوارع وخُلقت الشوارع لنا . - ولكني أريدك أن تأتيمعي. - لقد كنت نِعم الأب ..وكنت أحكي عنك دوماً للـ(فِرَدْ) ... ولكنني لا أستطيع المواصلة معك أبداً . كان عناد (منصور) أكبر من إصرار (سلطان) ، فنزلت هذه الإجابة كالصاعقة عليه فهو رأيفيه إبنه الذي لن يأتي أبداً فذهب من أمامه وهو دامع العينين وساخط على الظروف التي رمَت بهولاء الأطفال الأبرياء في هذا الوحل الذي لا يستطيعون الفكاك منه .. إلتفت (سلطان) وقال له: - حسناًسأتركك وشأنك ... ولكني دعني أراك كلما احتجت لذلك. - هذاهو مخبأنا السري ، وأتمنى أن لا يعرفه غيرك . - أعدك بذلك .- وداعاً . - كن حريصاً على نفسِك. لم يستطع (منصور)أن يرد عليه وسقطت أخيراً دموعه التي حاول جاهداً إخفائها عن بعض أصدقائه من المُشرَدين الذين رأوا دموعه لأول مرة فهم لم يتوقعوا أن يبكي (المُعلِّم) ذاتيوم وهو زعيمهم القوي ... ذهب منصور نحو الداخل وأحضر (بُقجة) بحث فيها قليلاً ثم أخرج دفتره القديم وتبع(سلطان) الذي لم يبتعد كثيراً وحين لاحظ (سلطان) ذلك توقف قليلاً فأعطاهُ(منصور) الدفتر دون أن ينبسببنت شفة وعاد مسرعاً وهو يبكي . دفع الفضول سلطانلفتح الدفتر فوجد أن (منصور) قد تقدم كثيراً في الكتابة وأصبح يجيد كتابة جُمل كبيرة فاستوقفته عبارات كُتبت لاكثر من مرة على أكثر من صفحة واحدة وهذا مادعاه للبكاء في منتصف الطريق أمام استغراب الجميع }أحب الوطن ... أحب بابا سلطان ... أحب ماما أميره{ كانت هذه الجُمل بذلك الخط (المَكَعْوَجْ) هي ما يذكره (سلطان) عن (منصور) الذي عاد لمدينة الأبيِّض مرة أخرى وسمع برجوعه قبل شهر من الآن ..لهذا جاء يبحث عنه في ذات المخبأ الذي وصفه له من قبل ولم يجده بل وجد (سِمسِم) نائب الزعيم كما يسمونه هناك وهو الذراع الأيمن لـ(منصور) - أين ذهب (منصور) ؟ - قَدَّ. (أي خرج). - إلى أي مكان ... فأنا أحتاجه بشدة ؟ - في شفَّاته تحت الكبري عندهم مشكله مشى يخارِجُن منها . وذهب (سلطان) تحت الجسر ووجده قد إنتهى من فض النزاع بين مجموعتين من المُشرَدين هناك ، وحينما رأوه ركضو مبتعدين فطمأنهم (منصور) وقال لهم: " ماتخافو ...عصفور" وما أن سمع الأولاد كلامه حتى رجعوا من جديد فتسآءل (سلطان) عن معني كلمة (عصفور) فأجابه (منصور): " (عصفور) يعني شخص لا خطر منه .. و(دبيب) هو الشخص الذي يجلب لنا المشاكل " فضحك (سلطان) من كلامه وقال له : "حسناً ... أريدك في أمرٍ مهمجداً جداً" * * * * في الجانب الآخر كانت (أميره) تنفذ الخطوة الثانية من مشروع (سلطان) وهي أن تقوم بشراء الأثاثات الخشبية القديمة من نساء الحي وكذلك كل الأشياءالقديمة التي لا يحتجنها فيالمنزل .. فقامت بجمع عددكبير من الأثاثات الخشبية التيضاقت بحملها دكانتها الصغير وقامت بصنع بعض المقاعد الصغيرة لإجلاس التلاميذ في (فصل القش) . وحينما عاد (سلطان) فيالمساء فرح بالإنجاز المتوقعالذي حققته زوجته فسألته عما جرى بينه وبين (منصور) فأجابها أن الأشياء تسير على مايرام وأن (منصور) قد وعده بحصر كل المُشرَدين الذين يحتاجون إلى كراسي متحركة وكل الذين يرغبون في التعليم شريطة أن يتحصلون على وجبة إفطار . وبحلول اليوم الثاني كان (سلطان) وزوجته قد إنغمسا تماماً في صناعة عدد لا بأس به منالكراسي للمُقعدين والمقاعد الدراسية . وتاخر (منصور) عنهم ولم يظهر إلا بعد أسبوع كامل كان (سلطان) قد صنع فيه أكثر من ستة كراسي وعدد كبير من المقاعد . وأعطاهم قائمة بها أكثر من ستين شخص يحتاجون إلى كراسي متحركه وعدد ضئيل جداً من الأطفال الذين يرغبون بالدراسه معهم ، فزادت حيرته إذ كيف له أن يصنع هذا الكم الهائل من الكراسي المتحركه وحده ..فأضظر أن يذهب للجهات المسؤولة عن هذا الأمر ولكنه لم يجد لديه رداً شافياً فأخذينادي عقب كل صلاة في عدد من المساجد المحيطة بالحي الذي يقيم فيه ويحض الناس على الوقوف معهفي هذا الأمر وأن يمدوه بالملابس القديمة التي لا يحتاجون لها .. فسخِرَ منه منسَخِر ولم يتبعه إلا القليل ولكنه لم يتراجع عن مشروعه قيد أنملة وأخذ يعمل ليلَ نهار في الورشة وأخذت زوجته تقوم بتدريس بعض الأطفال الذين جلبهم (منصور) معه والذين لا يتجاوز عددهم تسعة طلاب فقط كماوتقوم بصنع وجبة الإفطار لهم وكذلك تساعد زوجها في غسلهم بكل تواضعومحبة . كلما فرغ (سلطان) من صنع كرسي ، كان يأخذه بنفسه ويذهب لتسليمه لمن يحتاجها من القائمة الكبيرة التي جاءه بها (منصور) الذي صاريعمل معه في الورشة ويدرس مع باقي أصدقائه المُشرَدين في الصباح . واستقطب (سلطان) معه عدد من شباب الحي الذين يؤمنون بفكرته وبعض أصدقائه الذين أقنعهم بفكرته فتكفل جزء منهم بمشروع التبرُّع بقلم وهو أن يكون هنالك صندوق في كل وزارة يتبرعفيه الموظفون بقلم واحد فقط من أجل تعلُّم الأطفال .. ومشروع التبرع بالملابس القديمة التي يجمعها الشباب من كل المنازل في الحيوخارجه ومشروع وجبه وهو يُعنى بالتبرع بالمواد التموينية من أجل وجبات الدارسين التي تصنعها (أميره) بمساعدة عدد من نساء الحي اللاتي إقتنعن أخيراً بهذه الفكرةبعدما كانوا يرونها ضرباً منالجنون . ولم يترك (سلطان) جهة يتوقع دعمها لمشروعه ، إلا واقتحمها .. فمنهم من تبرع له بسخاء ومنهم من لم يصدقه وأتهمه بالغش والخداع .. ولكن يقينه بما يعمل واقتناعه بهذه الفكرة ، كان هوالوقود الذي يتزود به كلماكُثر الحديث السلبي عنه وعن منزله الذي تحول تماماً إلى ورشة ومدرسة . لمدة ثلاثة شهور و(سلطان) برفقة بعض المتطوعين وأميرة برفقة بعض المتطوعات قطعوا شوطاً كبيراً في هذا المجال وأصبح بيت (سلطان) قبلةً لكل المُشرَدين الذين أصبحو يتدافعون للدرس والوجبة المجانية التي تقيهم شر أكل الفضلات في المطاعم والمذابل رغم أن عددهم يتزايد أحياناً وينقص في أحايين أخرى ولكن حُسن معاملة (أميره) وزوجها ، أجبرتهم على مواصلة الدروس وخصوصاً وجود (منصور المُعلم) المسموع الكلمة بينهم . تناقلت الصحف ووسائل الإعلام مافعله (سلطان) في الحي الذيتحول إلى خلية نحل بالعملِ الدؤوب بفضل مجهوداته الكبيرة ووعدت عدد من الجهات بدعمها لهذا المشروع الكبير الذي أصبح حديث المدينة كلها .. وأكدت إحدى الجهات تبرعها بشراء قطعة أرض خالية بالقرب من منزل (سلطان) لكييتم إنشاء مكان أكبر يستطيع إيواء العدد الكبير من المُشرَدين والمُقعدين الذين ضاقبهم منزل (سلطان) المتواضع وفي غضون سنة واحدة تم إنشاء ملجأ (مع بعض) الذي ألزم (سلطان) بترك المدرسة والتفرغ كلياً لإدارة هذا الملجأ برفقة زوجته التي منحت كل وقتها للأطفال ... وتمتوظيف عدد من المتطوعينمن شباب وشابات الحي في الملجأ وأبدوا تعاملاً حضارياً متطور تجاه أولئك الأطفال مفقودي الأبوين الذين وجدوا الأيادي الحانيةوالقلوب الرحيمة التي أبعدتهم عن قسوة الشوارع والأزقة المظلمة ومطاردة رجال الدورية . كان (سلطان) في غاية السعادة من هذا الإنجاز الذي كلفه كل سنوات عمرهوشبابه والذي تكلل أخيراً بالنجاح وصار الجميع ينظر له بعين الإحترام والتقدير حتى أولئك الذين كانوا يتهمونهبالجنون و(قلة الشغله) ... وصار له علاقات واسعة مع عدد من المنظمات داخل وخارج البلد وكان الدعم يأتيه بكمياتكبيرة منهم وكذلك من الخيرين الذين تباروا في دعم الملجأ بعدد من المعينات والألعابوخصوصاً فصول التعليم التي وجدت عناية خاصة من كل الجهات وأولاها (سلطان) كل العناية بحكم عمله كمعلم . (منصور) و(سمسم) ورفقائهم...
'
صاروا أكثر تعلقاً بـ(سلطان)و(أميره) والجميع أصبح يناديهم (بابا سلطان) و(ماماأميره) هذا اللقب الذي لطالما حلُموا به جميعاً فـ(سلطان)وزوجته كانا أحوج ما يكون لهذه النغمة المحببة لديهم لطولِ مافقداها وأصبحا يمنونَ أنفسهم بها لأكثر من خمسة وعشرين عاماً ... وكذلك هؤلاء الأطفال وجدوا فيهم أسرهم التي حُرموا منها منذ ولادتهم ووجدوا أخيراً من يقولانِ لهما (ماما وبابا) . بعد أربعة أعوام من إنشاء الملجأ ، قام حاكم البلدة بتكريم (سلطان) و(أميره) ومُنحا عدداً من الأوسمة والشهادات التقديرية عرفاناً بدورهم الرائد في مساعدة مجتمعهمالصغير الذي أحالاه إلى صرحٍ ضخم .. وكعادته دوماً عقب كلنجاح ، أصبحت دموع (سلطان) لا تتوقف أبداً وخصوصاً حينما يناديه طفل بـ(بابا) . وبعد ثلاث سنين منالتكريم ، قُدِمت دعوة لمديرَيالملجأ (سلطان) و(أميره) لزيارة خارج البلد كي يعكسا تجربتهم لعدد من الدول ويطرحان فيها كيف تطور (فصل القَش) و الورشة الصغيرة إلى ملجأ كبير يضم مئات الأطفال المُشرَدين . وقالت الإرادة كلمتها في ذلك اليوم عقب رجوعهم من هذه الرحلة مُحملين بعدد منالهدايا والتبرعات المادية والعينية للملجأ ... فصادف أن تحطمت الطائرة التي أقلتهما وراح ضحية هذا الحادث أكثر من ثلاثين شخصاً كان (سلطان) وزوجتهمن ضمن القائمة .. وهرع الجميع إلى مكان الحادث حينا علموا بوفاتهم وتحولت المشرحة التي تضم جثتيهما إلى لون أحمر من دمائهم ودماء الضحايا التي سالت في هذا اليوم وخارج المشرحة كان يصطف آلاف المعزين الذين أفجعهم وفاة (سلطان) وزوجته بهذه الطريقة المأساوية ... وشهد ملايين منالبشر تشييعهما إلى مثواهم الأخير مُحملين بأكاليل الورد والدموع الصادقة من كل من عرفهم وعاشرهم ... ولم يصدق الأطفال وقتها بأنهم فقدوا أبويهم من جديد وكانت حادثة جعلت كثير من محبيهم يسقطون مغشياً عليهم من الحزن وكان (منصور) أشدَّ الناس حزناً بفقد أبويه .. فدُفناجنباً إلى جنب داخل منزلهم الصغير الذي صار من بعد مزار لهولاء الشخصين العقيمين الذين أنجبا مئات الأطفال بعطفهم ورعايتهم لهم .. وسُمي الملجأ بأسميهم (بابا سلطان وماما أميره) .. كما وسُمي عدد من الأطفال بهذين الإسمين المحببين .. وصار هذا الملجأ الصدر الدافي لكل الأطفال والأيتام وأتخذت إدارة الملجأ الجديدة من يوم رحيلهم حفلاً سنوياً تخليداً لذكراهم التي لن تُنسى أبداً... (ستبقونَ فينا خلوداً يستعصى على النسيان) هكذا كتب (منصور) على شاهد قبرهما وأنصرف ...
'
صاروا أكثر تعلقاً بـ(سلطان)و(أميره) والجميع أصبح يناديهم (بابا سلطان) و(ماماأميره) هذا اللقب الذي لطالما حلُموا به جميعاً فـ(سلطان)وزوجته كانا أحوج ما يكون لهذه النغمة المحببة لديهم لطولِ مافقداها وأصبحا يمنونَ أنفسهم بها لأكثر من خمسة وعشرين عاماً ... وكذلك هؤلاء الأطفال وجدوا فيهم أسرهم التي حُرموا منها منذ ولادتهم ووجدوا أخيراً من يقولانِ لهما (ماما وبابا) . بعد أربعة أعوام من إنشاء الملجأ ، قام حاكم البلدة بتكريم (سلطان) و(أميره) ومُنحا عدداً من الأوسمة والشهادات التقديرية عرفاناً بدورهم الرائد في مساعدة مجتمعهمالصغير الذي أحالاه إلى صرحٍ ضخم .. وكعادته دوماً عقب كلنجاح ، أصبحت دموع (سلطان) لا تتوقف أبداً وخصوصاً حينما يناديه طفل بـ(بابا) . وبعد ثلاث سنين منالتكريم ، قُدِمت دعوة لمديرَيالملجأ (سلطان) و(أميره) لزيارة خارج البلد كي يعكسا تجربتهم لعدد من الدول ويطرحان فيها كيف تطور (فصل القَش) و الورشة الصغيرة إلى ملجأ كبير يضم مئات الأطفال المُشرَدين . وقالت الإرادة كلمتها في ذلك اليوم عقب رجوعهم من هذه الرحلة مُحملين بعدد منالهدايا والتبرعات المادية والعينية للملجأ ... فصادف أن تحطمت الطائرة التي أقلتهما وراح ضحية هذا الحادث أكثر من ثلاثين شخصاً كان (سلطان) وزوجتهمن ضمن القائمة .. وهرع الجميع إلى مكان الحادث حينا علموا بوفاتهم وتحولت المشرحة التي تضم جثتيهما إلى لون أحمر من دمائهم ودماء الضحايا التي سالت في هذا اليوم وخارج المشرحة كان يصطف آلاف المعزين الذين أفجعهم وفاة (سلطان) وزوجته بهذه الطريقة المأساوية ... وشهد ملايين منالبشر تشييعهما إلى مثواهم الأخير مُحملين بأكاليل الورد والدموع الصادقة من كل من عرفهم وعاشرهم ... ولم يصدق الأطفال وقتها بأنهم فقدوا أبويهم من جديد وكانت حادثة جعلت كثير من محبيهم يسقطون مغشياً عليهم من الحزن وكان (منصور) أشدَّ الناس حزناً بفقد أبويه .. فدُفناجنباً إلى جنب داخل منزلهم الصغير الذي صار من بعد مزار لهولاء الشخصين العقيمين الذين أنجبا مئات الأطفال بعطفهم ورعايتهم لهم .. وسُمي الملجأ بأسميهم (بابا سلطان وماما أميره) .. كما وسُمي عدد من الأطفال بهذين الإسمين المحببين .. وصار هذا الملجأ الصدر الدافي لكل الأطفال والأيتام وأتخذت إدارة الملجأ الجديدة من يوم رحيلهم حفلاً سنوياً تخليداً لذكراهم التي لن تُنسى أبداً... (ستبقونَ فينا خلوداً يستعصى على النسيان) هكذا كتب (منصور) على شاهد قبرهما وأنصرف ...
الخميس 08 أكتوبر 2015, 17:06 من طرف Admin
» اجاثا كرستي
الجمعة 10 يناير 2014, 07:47 من طرف Admin
» عناوين الصحف الرياضيه الصادره صباح اليوم الجمعه
الجمعة 10 يناير 2014, 07:23 من طرف Admin
» ابرزعناوين الصحف السودانيه الصادره في الخرطوم صباح اليوم الخميس
الخميس 14 نوفمبر 2013, 07:30 من طرف Admin
» محمد الفيتوري
الخميس 14 نوفمبر 2013, 07:17 من طرف Admin
» عناوين الصحف الرياضيه الصادره اليوم
الخميس 14 نوفمبر 2013, 06:53 من طرف Admin
» قصه التلميذ والمعلمه
الإثنين 11 نوفمبر 2013, 17:56 من طرف Admin
» قصه الكلب الذكي والجزار
الإثنين 11 نوفمبر 2013, 17:51 من طرف Admin
» ابرز عناوين الصحف السودانيه الصادره في الخرطوم صباح اليوم الاحد
الأحد 10 نوفمبر 2013, 07:20 من طرف Admin